أين مكامن النفاق في نفسي ؟
مرسل: 23 يونيو 2017 08:54
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على الصادق الأمين حبيبنا محمد النبي الأمي الكريم و على آله و صحبه
( أين مكامن النفاق في نفسي ) عبارة تضع الصادق في طلب تزكية نفسه في الفعل لأنه يتوجه صادقا في البحث عن مكمن النفاق فيه اعترافا منه أنه منافق لا محالة مادام النفاق مرض باطني خفي و لا ينفي عن نفسه هذه الصفة إلا منافق
قال الحسنَ البصري رضي الله عنه : ( ما أمِنَ النِفاقَ إلا مُنافق ، و ما خافَ النفاقَ إلا مؤمن )
و النفاق في الشرع كما هو معلوم نوعان : النفاق الأكبر و النفاق الأصغر
أما الأول فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و يبطن خلاف ذلك مما يجعله يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾
و النفاق الأصغر : و هو نفاق متعلق بالأعمال و قد حدده رسول الله صلى الله عليه و سلم في ما يلي : ( أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ، و من كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، و إذا حدّث كذب ، و إذا عاهد غدر ، و إذا خاصم فجر ) ، متفق عليه
فكل خصلة من هذه الخصال تحتاج إلى الكثير من التحليل خصوصا متى وجدنا ان اغلبها ينتج عن امراض نفسية خفية و ليس من السهل الإحاطة بأنواعها و أشكالها و مكامنها و أسبابها في موضوع واحد و الله أعلم ثم أهل العلم و التزكية من بعده ، من أجل ذلك نقتصر منها على ما يلي :
* ففي خيانة الأمانة هناك انواع كثيرة ، منها من إذا اتمن على سر افشاه و منها من إذا أتمن على مال تصرف فيه دون إذن صاحبه و منها من يخون الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم مباشرة ، كمن ينصب نفسه إماما على المسلمين فنجده يحدثهم بخلاف ما يبطن أو يفعل
أو كمن ينهى المسلمين عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و هو مخادعهم في ذلك أو ممن ينصحهم في امور دينهم بما يتوافق مع هواه أو هواهم و ما أكثرهم في زمننا ، و منهم كذلك كل من كانت له مسؤولية و تكاسل أو تقاعس عن توفية حقها من الإهتمام و الجهد و الإتقان و الصبر .. لان كل مسؤولية أمانة كما هو معلوم ... ،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راع ، و كلكم مسئول عن رعيته : الإمام راع و مسؤول عن رعيته ، و الرجل راع في أهله و مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها ، و الخادم راع في مال سيده و مسؤول عن رعيته و كلكم راع و مسؤول عن رعيته) ((متفق عليه)) و قد قل ما نرى في زمننا من يراعيها حق رعايتها مما كانت نتيجته ما نراه اليوم من تخلف على جميع المستويات
و في هذا تفاصيل كثيرة لا حصر لها لابد من طرحها و معالجتها عسانا نصلح ما افسدناه و لا يقتصر أحدنا على اتهام الغير و ينسى نفسه
* و إذا حدّث كذب : و مواقفه كثيرة كذلك منها إذا حدّث قال كذبا او بهتانا ظاهرا خلاف ما عليه ظاهر الأمر
و منها إذا حدّث قال صدقا و هو يبطن خلاف القصد من الحديث فهو كاذب و لابد ، لأنه صِدق اريد به باطل ، قال الله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾
و منه حديث صادق لفظا لا يتجاوز حدود اللسان و القلب عنه غافل ، شعورا من صاحبه او بغير شعور منه كمن يتحدث عن النفاق و يذمه و هو مصاب ببعض من خصاله و الأولى أن يشتغل في تزكية نفسه من كل بقية من النفاق تختلج صدره نسأل الله تعالى العفو و الهداية .
* و إذا عاهد غدر : و هو نوعان ، العهد الذي بين العبد و ربه و عهد بين شخصين ، فالأول لا يتأذى منه سوى الشخص الذي لم يوف بحق الله في عبوديته إياه ..
و كلاهما يشملان الرجوع عن الأمر المعاهد عليه و تركه إلا أن العهد الذي يكون بين شخصين فيعود ضرره على الطرف الثاني كذلك لأنه يفاجؤه في لحظة بشكل غير متوقع مما يتسبب له في كثير من الأذى على المستوى النفسي و الروحي أو ضرر في القضية التي تمت المعاهدة عليها فهو هنا غادر خان المغدور به و خان الله في خلقه كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، و انواع العهود كثيرة جدا ..
فلا يجوز التعاهد على شيء حتى يكون المتعاهدين على كامل اليقين من قدرتهما الكاملة على الوفاء بالعهد محافظين على توقيت العهد ما إن كان مقيدا بوقت محدد و إلا فهما أو من لم يفِ منهما بعهده يكون غير صادق في عهده و وعده فيصير من حزب الغادرين من حيث لا يشعرون و من المفسدين الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا
أو كمن يتمنى الخير للناس و لا يسعى لفعله كأن يعدهم بصدقة أو زكاة أو تيسير أمر أو إنجاز مشروع ما حتى و إن سعى لذلك توقف عند حدوث اول عرقلة في طريقه و الأصل أن الصدق يفجر الماء بين الحجر لمن صح مقصده فإن الهمة تنطلق به إلى أعلى القمم و إن لم تتجاوز اسوار قدر شقائه ما لم تسبق له العناية من ربّه و الله يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم .
* و إذا خاصم فجر : فإذا كان الفجور هو الميل عن الصراط المستقيم فإن الفاجر يسلك طرقا غير مشروعة انتقاما من خصمه و بهذا يكون الخصام أكبر في قلبه من حقوق الله عليه فهو منافق و لابد مادام ينتصر لنفسه غافلا عن ربّه يتلون بصفات الكره من حقد و حسد و بغضاء و كبر فيعصى و يسيء الأدب مع الله و مع خلقه ...
و الحديث يطول في هذا الباب مما يستوجب التنبه له و عدم إهماله فقد يكون تفشي النفاق سببا رئيسيا في زوال عزة المسلمين و ذهاب قوتهم و هيبتهم وسط الامم ، فالمنافق لا رجولة له و إذا انعدمت الرجولة في ساحة المسلمين فلا إسلام و لا إيمان و لا إحسان و لا أمان ...
نسأل الله تعالى اللطف .